كيف تصبح أكثر ذكاء في إدارتك مواردك المالية
"العولمة جوهرها
أن يتحول الإنسان إلى كائن اقتصادي. هذا لا يمكن أن يتم إلا بمحو الذاكرة وبنسيان
التاريخ ومحو الهوية، لإن الهوية تعني مجموعة من القيم الجمالية والأخلاقية.
والذاكرة تعني إدراك لأمور حدثت في الماضي ويمكن أن تحدث في المستقبل، والتاريخ
يعني امتداد الهوية في الماضي وإمكانية امتدادها في المستقبل. العولمة لا يمكنها
أن تقبل مثل هذا الإنسان. هي تريد إنسان بال ذاكرة حتى تحول إلى كائن استهلاكي."
- المفكر
والعالم المصري الدكتور عبد الوهاب المسيري
عرف العالم مصطلح العولمة لأول مرة في أوائل القرن العشرين
وأصبح شائع الاستخدام في التسعينيات لوصف الثورة الهائلة في الاتصال الدولي الغير
المسبوقة والتي جعلت التواصل بين البشر حول العالم وفي كل مكان أمرا ميسرا. وقد
ساهمت العولمة في نمو وتعاظم دور التجارة الدولية في حياتنا حتى أصبح الوصول إلى
أي مستهلك حول عالم كأنه سوق واحد كبير. بالإضافة إلى التجارة الدولية، ساهمت
العولمة في تسهيل تبادل الأفكار والمعتقدات والثقافة والتأثير على سلوك ونمط
الحياة للبشر في مختلف دول العالم. وأصبحت الشركات العالمية تلعب دور في تشكيل
وتوجيه السلوك البشري وتبني أسلوب حياة متشابه، لكن ذلك لم يكن تأثير إجابي في كل
الأحوال.
وحيث أن الهادف
الأهم للشركات التجارية هو تحقيق الأرباح المالية، والحفاظ على مصالحها وتعظيم
أرباحها حتى ولو كان ذلك على حساب صحة المستهلكين وعلى حساب البيئة ومكوناتها، كان
ضرورية أن تعمل الشركات على توسيع قاعدة عملائها والوصول إلى أكبر عدد من
المستهلكين. وأكثر شيء نجحت العولمة في تحقيقه هو
نشر النمط الاستهلاكي، بين البشر في الاستهلاك، وتحويل الإنسان إلى كائن استهلاكي
يستهلك الضارّ قبل النافع، ويسيء استخدام الموارد الطبيعية، ويلحق الضرر بمكونات
النظم البيئية المختلفة، ويتسبب بذلك في حدوث كوارث بيئية.
يتضح لنا أيضا البعد الأخر والأكثر خطورة، هو أن القوى الاستعمارية
أصبحت قادرة على السيطرة على ثروات الشعوب ومواردها الطبيعية من خلال الشركات متعددة
الجنسيات، التي أصبحت قوى اقتصادية مؤثرة بشكل كبير حتى على قرارات الدول وعلاقتها
ببعضها. أصبحنا نعيش في حضار مادي تقوم على الاستهلاك وإشباع الرغبة في التملك
والعمل على تغذيتها. ويستخدم المنتجون جميع الوسائل لإيقاع المستهلكين في شرك
وحبائل الاستهلاك، ومن أبرزها الإعلانات التي تنفق عليها الشركات مليارات
الدولارات سنويًا. وتعمد الشركات
إلى إنتاج محتوى إعلاني يتضمن تعابير وإيحاءات عن الكل أو الانضمام إلى مجتمع واحد
يوصف بانه الأفضل أو يجعل المستهلك مميز عن الأخرين، وهنا تقوم ثقافة القطيع
بدورها في جعل الناس يستهلكون تقليدًا لغيرهم وليس بدافع الحاجة إلى هذا المنتج أو
ذاك. وإعطاءهم إحساس وهمي بالمتعة التي هي في الحقيقة مثل المسكنات التي تضمن بقاء
الإنسان في دائرة الاستهلاك التي لا تنتهي.
يسعي هذ النظام
على الإبقاء على البشر في دائرة المستهلكين، غير قادرين على التوقف. وبالتالي يصبح
الإنسان يعمل بكل جد ويبذل مجود كبير في العمل لدي تلك الشركات، لتحقيق مبالغ
ضئيلة، ثم يقوم بصرف وإنفاق تلك الأموال في شراء منتجات الشركات، التي يعتقد أنها
تحقق له متعة أو تلبي له احتياج ضروري. ويكتشف الإنسان مع مرور الزمن بأنه تحول
إلى كائن محاصر ولا يملك أي موارد أو قدرة على الاستقلال بذاته وأنه في حاجة دائمة
لإن يكون تحت رحمة هذا النظام ليضمن له الحياة بشكل أمن.
التحرر من السلوك الاستهلاكي الأعمى:
في مثال بسيط
على مدة بشاعة الكذبة التي نعيشها في هذا العالم الاستهلاكي، تخيل أن شخصان في شهر
يناير يملك كل منهم مبلغ ألف يورو. قام الشخص الأول بشراء أحدث هاتف في السوق الذي
يتمتع بإمكانيات هائلة ومميزات رائعة. وأنفق فذلك المبلغ الذي كان يملكه. ثم قام
الشخص الثاني بشراء هاتف صغير بإمكانيات معقولة بمبلغ مئة يورو وأشتري بالمبلغ
المتبقي (تسعمائة يورو) سبيكة صغيرة من الذهب.
ثم تقابل نفس
الشخصان بعد سنة. ستجد أن الشخص الأول يمتلك هاتف فقد أكثر من سبعين في المئة من
قيمته وأصبح يساوي ثلاثمائة يورو، وبذلك فقد سبعون في المئة من ثروته المالية. في
حين أن الشخص الثاني أصبح يمتلك هاتف صغير وقطعة ذهب وصل قيمتها إلى ألف ومائة
يورو مثلا.
أي من الشخصين
تفضل أن تكون؟ أي من الشخصين تعتقد أنه يعيش حياة أفضل من الأخر؟
الخروج من تلك
الدوامة وهذا النظام ليس بالأمر اليسير ولكن ليس مستحيل، إنما هو تحدي يحتاج إلى
وعي كامل بمخاطر أسلوب الحياة المعتمد على الاستهلاك الأعمى، وإرادة وتخطيط حتى
تستطيع استعادة قدرتك على التحكم بحياتك والحفاظ على مواردك المادي.
الخطوات الضرورية لتنظيم الموارد المالية والتخطيط لمستقبل أفضل:
أهم مبدأ، هو أن تأمن بأن الوظيفة ليست المرحلة النهائية والهدف
الأوحد لضمان البقاء على قيد الحياة. أنما هي مجرد خطوة، وأنا المرتب ليس فقط من
أجل الإنفاق بالكامل على المتع الشخصية، وإنما هو دخل مالي يجب أن يتم استغلاله
لتحسين مستوي المعيشة لتصبح قادر على التحكم في حياتك ومستقبلك. ويتحقق بذلك
بالاستثمار الأمثل لمواردك المالية من خلال بعض النصائح التالية:
1)
الإنفاق يجب أن يكون موجه إلى الأمور الأساسية في الحياة، مثل المأكل
والملبس، وشراء المنتجات التي توفر أفضل قيمة وبأقل سعر. وليس الاستسلام للدعايات
وشراء منتجات تحمل أسماء مشهورة غالية الثمن فقط لإن تقليد لسلوك المجتمع وإنفاق
مبالغ كبيرة على منتجات لا تحقق فائدة أو جودة، والتي يمكن استبدلها بمنتجات أخرى
أقل ثمن حتى وأن كان غير مشهورة. وأكبر مثال على ذلك منتجات الملابس والحقائب التي
في حقيقة الأمر تكلفة إنتاجها لا تتناسب مع سعرها الذي قد يكون أضعاف التكلفة
الحقيقة بخمسون مرة. في حين أن يمكن الحصول على ملابس بأشكل رائعة وجودة كبيرة
لكنها من صنع مصانع صغيرة أو أفراد يعملون في مشروع عائلي صغير.
2)
تخصيص نسبة إجبارية من الدخل الشهري لا تقل عن خمسة وعشرون في المئة
للادخار. التشجيع على الادخار يساعد كثيرة في الحفاظ على الموارد المالية وهو
الأمر الذي يعطي قدرة على مواجهة الأزمات والتحكم بشكل أفضل في مجريات الحياة.
3)
في نهاية السنة، وعند توفر مدخرات كافية، يجب ألا تترك المدخرات في
شكل أموال راكده في البنوك، وإنما يجب أن تتحول إلى استثمارات. وهي مجالات متعددة
ومتاحة حتى للذين لا يملكون الخبرات الكبيرة في مجال الاستثمار. ولا يتوقع أن يكون
الاستثمار فقط في مجال الأعمال التجارية. وإنما في مجالات أبسط وأسهل مثل:
·
الاستثمار في التعليم وتطوير الذات. تعلم مهارة جديدة، لغة جديدة،
احصل على شهادة متخصصة في مجال معين. هذا الاستثمار سوف يضيف قيمة شخصية يمكن ان
تتحول إلى مصدر دخل بفتح مجال عمل جديد أو فرص عمل أفضل بمدخول مادي أعلي.
·
الاستثمار في العقارات. أحرص على شراء قطعة أرض أو مبني أو شقة حتى
ولو كانت بالتقسيط، فذلك سوف يشجعك على العمل على توجيه مواردك المالية في استثمار
طويل الأمد.
·
حافظ على قيمة أموالك بتحويلة إلى شراء الذهب، حتى ولو كميات صغيرة، بضع
جرامات ممكن أن تشكل فارق بمرور مدة سنة مثلا. فإن الذهب يحافظ على قيمة مدخراتك
ويزيد في قيمتها دون أي مخاطر.
إن أكثر المهارات التي يحتاج البشر إلى تعلمها، هي مهارات التعامل مع الموارد المالية. المحافظة عليها واستثمرها بشكل أمن. وأهم ما يحتاج إليه البشر في هذا الزمان، هو الوعى والتثقيف بمخاطر النمط الاستهلاكي الأعمى، الذي يقود العالم إلى الهلاك على المستوى الشخصي، وعلى مستوي إهدار المواد الطبيعية بشكل يسرع تدمير البيئة حولنا.
التعليقات على الموضوع