تأثير الحركات الإجتماعية الجديدة على الفرد والمجتمع
الحركات الاجتماعية وأثرها على سلوك الأفراد والمجتمع
"إنما الأمم الأخلاق ما بقيت...فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا..
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه...فقوم النفس بالأخلاق تستقم..
إذا أصيب القوم في أخلاقهم...فأقم عليهم مأتما وعويلا.."
أمير الشعراء أحمد شوقي
والأخلاق هي القيم والمبادئ التي تنظم سلوك الفرد في علاقاته مع باقي المجتمع، وتحدد قواعد تعامل المجتمع مع الأفراد والمجتمعات الأخرى. وهي ما تحدد مدى قوة المجتمع وقدرته على التكيف والتطور لموجة التحديات التي تهدد وجود أي مجتمع، سواء تحديات داخلية أو خارجية. ويبدأ أو ينتهي صلاح أي مجتمع بشرى بصلاح أو انهيار الخلايا التي تكون منها المجتمع، وهي الأسرة، التي هي البيئة الأساسية التي يتعلم منها الإنسان الأخلاق ويتكون ضميره. ومن هنا نستطيع القول، أن قوة وصلابة أي مجتمع، يمكن قياسها بالأخلاق التي يتبناها المجتمع، ومن قوة وتماسك الأسرة.
إلا أن السنوات
المئة الأخير شهد ظهور حركات اجتماعية متعددة، تستهدف جميعها تغيير المبادئ التي
تحكم الأسرة وبالتالي التأثير على سلوك الأفراد بشكل الذي يغير المجتمع. استحداث
أسلوب حياة مختلف تضعف دور الأسرة فيه وتجعل المجتمع قائم على مجموعة من الأفراد المستقلين.
تنهي الشعور بالانتماء للأسرة. وذلك يكون من السهل التأثير والتحكم في مجتمع يكون
من أفراد يتمحور فكرهم حول الفرد ذاته فقط وهدفة من الوجود في هذه الحياة هو إشباع
ملذاته
وتجد هذه الحركات سبيلها لتوغل في جسد المجتمع عن طريق تبني دعوات لدفاع عن حقوق اجتماعية والترويج لقواعد جديدة تبدو كأنها اتجاه متطور في السلوك الإنساني، مما يجشع الناس على تقبلها والتعامل معها على أنها من المسلمات. لكن حقيقة أن تلك الحركات تسعي إلى تفكيك الأسرة، وتحويل المجتمع إلى مجتمع شهواني غرائزي أناني استهلاكي. وتصبح القضايا التي يكافح من أجلها المجتمع كلها تتمحور حول الحريات الفردية وإشباع الرغبات الجنسية، وعلاقة الرجل بالمرأة وتحويل أساس تلك العلاقة إلى تنافس وعدوانية وليس التكامل، وحرية المرأة في جسدها مما لا يحقق أي وضع أفضل للمرأة وإنما يسهل انتشار الرزيلة باسم الحرية.
وهذه الحركات
لا تبدو كأنها نتاج طبيعي لتطور الفكر الإنساني، ولا نتيجة السعي نحو تحقيق مصلحة
عامة تخدم المجتمع. وإنما حركات موجهة ويتم الترويج لها بشكل ممنهج قائم على فرض
تلك الأفكار دون السماح بأي مساحة لمناقشة تأثير ونتيجة تبني هذا التوجه على
المجتمع. وكأن قوة خفية هي من تحرك هذا التوجه وليست إرادة ناشئة من قناعة المجتمع
بأهمية وقيمة هذه الحركة. قوة تسعى إلى تغيير المبادئ التي نشأت عليها الأسرة واستبدالها
بأسلوب حياة يمجد ما يسمي بالحرية الفردية. لذلك تجد تلك أن من يدعون لهذا التوجه
يعادي كل القيم الثابت وأولها القيم الدينية ويصفها بأنها موروث من الماضي لا
يتناسب مع تطور أسلوب الحياة داخل المجتمع. واستخدام إرهاب وترهيب لكل من يحول
الوقوف في طريق تلك الحركات.
البيئة الحاضنة لهذه الحركات أو أي دعوات
جديدة مشابه، هي المجتمعات الغربية، التي ليس لها مرجعية أخلاقية ثابته، ومعايير
واضحة لما هو الطريق الذي يوصل إلى الصلاح وتحقيق المصلحة العامة. خصوصا وأن تأثير
أي من الحركات التي تغيير المبادئ الاجتماعية لا يظهر تأثيره بشكل مباشر وفوري،
وقد يحتاج الأمر إلى سنوات حتى تبدو نتيجة تبني تلك الأفكار واضحة على الأجيال
القادمة. عندما يدرك المجتمع أن تلك الحركات لم تحقق الصالح العام ويبدأ المجتمع
في ادرك أن المستفيد لم يكن لا الفرد ولا المجتمع، وإنما فئة معينة استفادة من استغلال
هذه الحركات لتحقيق ربح مادى من مجتمع يسهل التأثير والتحكم في توجهات واحتياجات أفراده.
وأن تصحيح المسار قد يتطلب مجهودات وسنوات.
التأثير الحقيقي للبعد الأخلاق على المجتمعات
ويبدأ الصدام الحقيقي عندما تحاول المجتمعات
الغربية تصدير تلك الحركات للمجتمعات المسلمة، التي تتخذ من تعاليم الدين الإسلامي
مرجعية ثابته وواضحة للقيم والمبادئ والأخلاق التي تحكم المجتمع. وهي مرجعية يصعب التشكيك
فيها أو تحويرها. المجتمع في الإسلام يتميز
عن باقي المجتمعات الأخرى بأحكامه وقواعده المستمدة من القرآن الكريم والسنة
النبوية الشريفة، مجتمع يتوحد أفراده بعقيدة واحدة، دون النظر أو الاعتبار لتعدد
الأجناس والخلفيات العرقية. مجتمع يحفظ كرامة الفرد ويهدف
إلى مصلحة المجتمع. قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "إن مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى
منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
وقد حرص الإسلام على تقوية روابط المجتمع وتعزيز
دور الأسرة ورفع شانها وقيمتها في بناء المجتمع، لأن الإنسان اجتماعي بطبعه يعيش
في مجتمعات مترابطة وليس أفراد منعزلين مفككين لا يربطهم سوي الرغبات الشخصية وتغليب
مصلحة الفرد على حساب المجتمع. فقد شرع رب
العالمين الواجبات الاجتماعية لتقوية الروابط الاجتماعية مثل بر الوالدين
وطاعتهما، احترام الكبير وإظهار الرحمة بالصغير وصلة الأرحام والإحسان إليهم،
والإحسان إلى الجيران ونبذ السلوك العدواني بين الناس، وتربية الأفراد على حسن
الخلق كما قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام: " إن أحبكم إلي وأقربكم
مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً" [رواه الترمذي]. كما وضع أسس العلاقة
بين الرجل والمرأة قائمة على المودة والرحمة، وحدد واجبات وحقوق كل منهما تجاه
الأخر.
ولم يجد دعاة
تلك الحركات سوى الهجوم على القيم الإسلامية بوصفه بانه رجعي متأخر جاء من الماضي
وأن أفكاره لا تناسب العصر الحالي. وهي محاولات لم تجد سبيل لإقناع أتباع الدين
الإسلامية بترك عقيدتهم وتبني الحركات الاجتماعية التي يدعون إليها. ثم بدأ تغيير
الإستراتيجية بأن يكون الهجوم من الداخل عن طريق تجنيد أفراد وكأنهم مسلمين يدعون
إلى تصحيح المفاهيم وتحديث الفكر الإسلامي عن طريق التشكيك في التراث وزرع الفتن
التي تقوض العقيدة مما يسمح بتسلل الأفكار المسمومة إلى المجتمع.
لكن ما يبهر، هو قوة الدين الإسلامي في
مواجهة كل تلك المحاولات المستمرة على مدى عقود وبإستراتيجيات مختلفة ومبتكرة. التي
لم تستطع أن تعبث بالثوابت الدينية ويظل الدين الإسلامي درع يمنع انتشار تلك
الحركات الاجتماعية المشبوه. بل ما بذهل هو قدرة الدين الإسلامي على الوصول إلى تلك
المجتمعات والانتشار بين أفراده الذين تبنوا تلك الأفكار. وكأن الدين الإسلامي
قادر على التغلب وإظهار حقيقة تلك الحركات الاجتماعية دون أي قدرة لمجابهة دين
قائم على مبادئ الإيمان بوحدانية الله
تعالى، التضامن بين مكوّنات المجتمع، العدل وحسن الخلق، والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر. وهي أسس لا تتقادم أو تتغير وتتبدل بمرور الزمن أو تطور المجتمعات
البشرية.
قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ
آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ
وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ) [آل عمران: ١١٠].
التعليقات على الموضوع