أسير الماضي
أسير الماضي
أتعرف تلك اللحظات عندما تجد أحداث جاءت من الماضي تلاحقك وتتجسد أمامك، تتحول
إلى كائنات يصعب تجاهلها ونسيانه. تفرض وجودها في حياتك. تشعر وكأن الماضي أرسلهم
إليك وكأنه يصر على أن تبقي يرفض أن يمسحهم ويصر على تبقي تلاحقك اينما ذهبت،
أينما نظرت وحتى عندما تنفرد بنفسك أو في أحلامك. أشياء مثل أخطاء اقترفتها، مواقف
محرجة مررت بها، تجارب سيئة فرضت عليك، ليجعل الماضي من تلك الأشياء جنودا له تغزو
حياتك وتبقيك أسيرا لا حول لك ولا قوة. ثم تتجمع تلك الجنود لتخلق صراعات حامية داخل رأسك لا تتوقف ولو سمع
العالم ضجيجها لصدم وجن من هولها.
ويتطور الأمر حتى تشعر وكأنك ترى تلك الماضي وجنوده ظاهرين في عيون كل من يعرفك. كأنهم يعيشون وينمون بداخلهم، ثم يتحكمون ويوجهون تصرفاتهم
وردود أفعالهم معك. ولا يتوقفون عن أحد، ولا يبدو أنهم سوف يتلاشون مع الأيام. بل ينتشرون
ويتنقلون بين الناس كفيروس معدي، وكل يصاب أناس جدد.
تصبح حياتك ين شِقَّيّ الرَّحى تتلقِّي الضربات من جهتين، صراع بداخلك لا
يمنحك فرصة للراحة، وصراع بسبب مواجه الناس من حولك الذين وصلهم جنود الماضي ويتعاملون
معك كأنك لا شيء سوى انعكاس لما مررت به. حتى تبدأ روحك في التآكل.
في تلك اللحظات، تجد نفسك وحيدا، لا يوجد بجانبك من يفهم مرارة ما تمر به. تشعر
بالضعف أمام قوة وإصرار الماضي وجنوده على السيطرة على ذاكرتك. تظن عندها أنك لا
تملك أي حل سوي الهروب بعيدا الى مكان فيه أناس غرباء عنك لم يصبهم عدوي جنود
الماضي. أناس يعاملونك بما أنت الآن وليس بما كنت عليه في زمن انتهي. على أمل أن تمنحك
البيئة الجديدة ملجئ يوفر لك السكون والراحة التي تساعدك على استعادة طاقتك. وبذلك
تتخلص من إحدى جبهتي الصراع، الجبهة الخارجية وتتفرغ لجبهة الصراع الداخلي.
لكن المعاناة لا تنتهي هنا. وإنما ينشأ صراع جديد بداخل، وهو الخوف من أن يلاحقك
الماضي حتى يجدك ويصل إليك في مكانك الجديد ويشعل الجبهة الخارجية مرة أخرى من ويبدأ
في تكرار المعانة مرة أخري.
نهاية الجزأ الأول.........
التعليقات على الموضوع