الربا! المرض الإقتصادي
لماذا حرم الله الربا
قال النبي
ﷺ: اجتنبوا
السبع الموبقات يعني:
المهلكات، قلنا: وما هن يا رسول الله؟! قال: الشرك
بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا جعله منها وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف،
والمحصنات الغافلات المؤمنات فالمحصنة الغافلة المؤمنة رميها بالفاحشة
من أعظم الجرائم، من أعظم الموبقات.
فالمقصود:
أن الربا من أقبح السيئات، ومن أقبح الكبائر ومن السبع المهلكات. وقد تناول القرآن الربا في 12 آية، وذكرت
الكلمة ثماني مرات.
تحريم الربا في الشرائع السماوية:
ولم ينفرد
الدين الإسلامي تحريم الربا، وإنما اتفق مع الإسلام على تحريم الربا الديانات السماوية الثلاث، والهندوسية
والبوذية من قبلها وحتى الفلاسفة؛ مثل أرسطو. فنبذ هذا
النوع من التعاملات المالية يبدوا كأنه نتيجة فطرية تنبه لها الإنسان.
فالتعامل
بالربا كان محرما للمسحيين والكنيسة كانت
تعلن الحرب عل الإقراض والاقتراض بالربا على رجال الدين منذ سنة 300م حيث كان يعزل
ويطرد من الإكليروس كل من يثبت تعامله بالربا، ثم عممت تحريمه على كافة الناس في
عام 789م وصار مطبقا في المجتمعات الأوروبية طوال القرون الوسطى، وقد أجمعت كل
الكنائس على التحريم العام للتعامل بالربا عام 825م. وفي الكتاب المقدس في
العهد القديم: «إن أقرضت فضة لشعبي الفقير الذي عندك فلا تكن له كالمرابي. لا
تضعوا عليه ربا» (سفر الخروج، 22- 25). وفي العهد الجديد: «أقرضوا وأنتم لا ترجون
شيئًا فيكون أجركم عظيماً» (إنجيل لوقا 6، 34-35). ويقول الشيخ علي القره داغي:
"نص الاصحاح 23 من سفر التثنية على أنه: لا تقرض أخاك بربا، ربا فضة، أو ربا
طعام، أو ربا شيء مما يقرض بربا" ولكن ذلك يقتصر على التعامل بين اليهود.
حتى الفلاسفة
القدماء كان لهم رأي مشابه عن التعامل بالربا. فقد رأى أفلاطون
أن الربا أحقر طرق الكسب غير المشروعة.
وقد جاء تحريم
الربا من الله تعالى لما له من أثار مدمرة على حياة الأفراد وهلاك لاقتصاد الدولة،
حيث أنه يقضي على روح بين الناس، وهو سبب لانتشار البغض والكراهية بين الأفراد،
ويؤدِّي إلى وجود طبقة من المرابين الجشعين الذين تكثر الأموال في أيديهم دون عمل
حقيقي أو المساهمة في الإنتاج، وعلى مستوي الدول تسببت القروض عالية الفائدة في الاستيلاء
على خيرات وموارد الدول الفقيرة وتحكم بعض الدول الغنية لبعض الدول الفقيرة.
ولذلك فإننا
نجد العديد من الدعاوات في الزمن المعاصر، التي تندد بالربا، والدراسات التي تربط
بين نظام الفائدة-الربا-وبين انهيار المجتمعات، وبين الربا والازمات الاقتصادية، من
المجتمعات الخاضعة للنظام الرأسمالي الربوي، وكذلك المؤسسات الدولية، وعلماء
الاقتصاد البارزين، توصلوا إلى أن الفائدة -الربا يشل الاقتصاد ويتسبب في انهيار
الدول. يقول هابرل في كتاب الرخاء: (أن نظرية الفائدة كانت منذ أمد بعيد وما تزال
نقطة ضعف في عالم الاقتصاد، وأن تبرير معدل الفائدة وتحديده، ما يزالان يثيران
الاعتراض بين الاقتصاديين...)، ويقول مستر اثر كنستون: (انني ضد الربا في جميع
اشكاله، فالربا لعنة على الدنيا منذ بدأت ولقد حطم إمبراطوريات....ولسوف يحطم
غيرها...)
الربا في المعاملات المالية الحديثة:
الربا
واحد من الأعمال التي تعمق في الإنسان الانحراف عن المنهج السوي، وينبت في النفس
الإنسانية الجشع كما ينبت الحرص والبخل، ويجعل طبقة المرابين يستغلون كل قوى غيرهم
وإنتاجه في كسب يعود عليهم.
يقول الرازي: "لربا وإن كان زيادة في الحال
إلا إنه نقصان في الحقيقة."
وهذا
مستفاد من النص القرآني: "يمحق الله الربا" البقرة:٢٧٦.
فالمحق
نقصان الشيء حالاً بعد حال ... فالذين يتعاملون بالربا يظنون أن فيه كسباً،
والحقيقة التي أخبر بها العليم الخبير، والتي كشف عنها واقع البشر الذي دمره سرطان
الربا أن الربا ممحقةٌ للكسب مدمرٌ للاقتصاد
ويقول المراغي:
“إن عاقبة الربا الخرابُ والدمار،
فكثيراً ما رأينا ناساً ذهبت أموالهم، وخربت بيوتهم بأكلهم الربا."
وبانتشار
الربا في المجتمع تنتشر البطالة، وذلك لأن أصحاب الأموال يفضلون استثمار أموالهم
بالربا على استثمارها في إقامة مشروعات صناعية أو زراعية أو تجارية، وهذا-
بالتالي- يقلِّل فرص العمل.
والتضخم من
أحد أسبابه القروض الربوية، فالمرابي بما يقرضه من فائدة مرتفعة يجبر أصحاب السلع
والخدمات على رفع أثمان هذه السلع والخدمات، ولا شك أن ذلك يضر أصحاب الدخول
النقدية الثابتة كالموظفين والعمال، ومن ثمَّ تنخفض دخولهم الحقيقية.
ويعمل
الربا على سوء توزيع الثروة، لأن فئات الفائض والذين يمتلكون أموال فائضة عن
حاجتهم ويقومون بإيداعها لدى البنوك، هم بطبيعة الحال من الطبقة ان لم تكن غنية،
فإنها ليست بالفقيرة، أما فئة العجز -الذين يحتاجون المال- ويقومون باقتراضه من
البنوك، هم من الفقراء أو على الأقل المحتاجون للمال.
كل هذا الأثار
الاقتصادية والأزمات المالية يفسر قول الله عز وجل: "الذين يأكلون الربا لا
يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل
الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره
إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" البقرة (275).
_________________________________________
- دور
النظرة الإسلامية للربا في الوقاية من الأزمات الاقتصادية، الدكتور إحسان سمارة. كلية
الشريعة / جامعة جرش – الأردن
- د. غدير
الشيخ: لعنة الربا الاقتصادية
- الربا
واثاره على الاقتصاد الإسلامي (دراسة مقارنة) إعداد الباحث: عبد السلام نعمان رشيد
الجميلي كلية الآداب، جامعة صنعاء
التعليقات على الموضوع