لماذا الفتوحات الإسلامية ليست احتلال
تاريخ الفتح الإسلامي
بانسبة إلى الدولة في ظل الحضارة الإسلامية فإن السلام هو الأصل والحرب هي الاستثناء، وهذا المبدأ يظهر جليا في أثار الحضارة الإسلامية على شعوب البلاد والمدن التي دخلها المسلمون. ولم يسجل التاريخ أن الفتح الإسلامي كان بدافع السلب والنهب والتدمير مثل ما هو معتاد ومعروف عن أي احتلال وغزو حدث في تاريخ البشرية سواء في العصر الحديث أو القديم. إنما كانوا المسلمون يصحبون معهم المتعلمين والعلماء والقانونيون والمعلمون مع الجنود. وشهدت البلاد والمدن التي وصلها المسلمون نهضة كبيرة وتقدم علمي في مختلف العلوم وتشيد مباني مازالت حاضرة وشاهدة على فضل المسلمون على تلك البلاد.
الحقوق التى أقرها الإسلام للبلاد التى وصلها الفتح الإسلامي
كما شرع الله حقوق للأسري. يقول الدكتور علي جمعة مفتي مصر
الأسبق: يحرم الإسلام التعامل مع الأسير بقسوة أو تعريضه للمهانة والذل، وكان
النبي صل الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على جيش أوصاه ومن معه من المسلمين بقوله:
«لا تغلوا ولا تقدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا شيخاً»، وقال
يوم فتح مكة: «ألا لا يقتل مدبر، ولا يجهز على جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن»، ولذلك
كان المسلمون في قتالهم لا يتبعون أحداً هارباً من المعركة، ولا يقتلون أسيراً،
بل لا يقطعون شجراً، ولا يردمون بئرا ولا يهدمون بيتاً. ويضيف: لقد حث الإسلام على
معاملة الأسير معاملة كريمة لا تهان فيها كرامته ولا تنتهك حرمته، دون اعتبار
لاختلاف الدين أو كونه من الأعداء، وعد تلك المعاملة من صفات الأبرار، حيث قال
تعالى فيهم: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً
وَأَسِيراً)، «سورة الإنسان: الآية 8»، وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه
بحسن معاملة الأسرى، فقال: «استوصوا بالأسارى خيراً»، وبهذا الأمر حول الإسلام
غريزة الانتقام من العدو الأسير إلى أداة فضل ورحمة، فلم يقتصر على النهي عن
تعذيبه أو تجويعه، بل امتد إلى الحث على الإحسان إليه وإكرامه ومساواته بالمسكين
واليتيم. ومن الحقوق التي كفلها الإسلام للأسير حقُّ الطعام والكسوة، فلا يجوز
تركه بدون طعام وشراب حتى يهلك، وقد عنون البخاري في صحيحه بابًا أسماه: "
باب الكسوة للأسارى.". كما أن من حقوق الأسير حقُّه في ممارسة شعائر دينه
خلال مدَّة أسره، فلا يُجْبَرُ الأسير على اعتناق الإسلام، ولم يُعْرَف عن النبي ـ
صلى الله عليه وسلم ـ أنه أجبر أسيرًا على اعتناق الإسلام. وبذلك يكون المسلمون
أول من وضع ونظم حقوق لأسري الحروب
وبذلك يكون الفتح الإسلامي بدوافعه وأسلوبه الراقي في التعامل مع الحروب وأثار العمران والتطور العلمي ومحافظته على ثروات الشعوب والأملاك الخاصة، ما يجعله مميز عن باقي حملات الغزو والاحتلال التي حدثت في تاريخ البشرية. وذلك أن كافة الغزوات التي حدثت عبر التاريخ إنما كانت الغاية منها الاستيلاء على البلاد المفتوحة وضمها إلى أملاك الغازين، ونهب خيراتها ومواردها، ولم يعرف أمة خرجت عن هذا السلوك إلا الفتح الإسلامي.
فلم تكن الغاية ضم البلدان إلى الوطن الإسلامي، وامتصاص دماء أهلها وأموالهم، واستغلال مواردها الطبيعية وخيراتها، ولكن غايته نشر الدين الإسلامي والسعي لإعلاء كلمة الله، وإذاعة هدي القرآن في الأرض كلها؛ فكانوا كلما وطئوا أرضاً عرضوا على حكومتها وشعبها الإسلام، فإن قبلوا به واتبعوه ونطقوا بكلمة الشهادة انصرفوا عنهم وعدُّوهم إخوانهم لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، لا فرق بين أمير المؤمنين وآخر مسلم في أقصى الأرض؛ كلهم سواء في الحقوق الواجبات، ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.
ومن الشواهد التي تبيين عظمة الحضارة
الإسلامية وتأثيرها الإيجابي على الشعوب، أنه عندما إحراق المغول التتار لبغداد
عام 1258م عاصمة الخلافة العباسية خمسة قرون، كانوا وثنيين. لكنهم تحولوا إلى
الإسلام. فكانوا داعين ومبشرين لإسلام بين قبائلهم. وأقاموا تحت ظلاله
الإمبراطوريات والممالك الإسلامية بأفغانستان وباكستان وشبه القارة الهندية والبنغال
وآسيا الوسطي وأذربيجان والقوقاز والشيشان وفارس وغيرها من بلدان المشرق الإسلامي.
وأسس أحفادهم دولة إسلامية عظيمة في شبهة القارة الهندية امتدت لما يقارب الثلاثمائة
وخمسون سنة. وكانت في تقدمها العلمي والثقافي والعمراني، لا تقل عن الدول الإسلامية
في الأندلس. وما زال الشواهد ماثلة حتى اليوم، مثل أعجوبة الفن المعماري الإسلامي "تاج
محل" الذي يعد من أرقى الأمثلة على العمارة المغولية. وهو ضريح رائع الصنع،
أنيق العمارة من الرخام الأبيض يوجد بأغرة بأوتار برادش بالهند. شيده الملك شاه
جهان الإمبراطور المغولي (1630 - 1648) ليضم رفات زوجته ممتاز محل.
الاحتلال الأوروبي لأسيا وأفريقيا والأمريكيتين:
امتدت ظاهرة الاحتلال على مر التاريخ
وشملت مختلف دول وشعوب العالم القديم وما لحقه من اكتشاف الأمريكيتين. الاحتلال القديم
والعصور الوسطى من قبل الفينيقيين والإغريق والصليبيين وغيرهم. وفي العصر الحديث
أو الإمبريالية في القرن الخامس عشر تزامنًا مع «عصر الاستكشاف» بقيادة
البرتغاليين، ثم بالاستكشاف الإسباني للأميركتين وسواحل إفريقيا والشرق الأوسط
والهند وشرق آسيا. كانت الإمبراطوريتان البرتغالية والإسبانية أول إمبراطوريتين
عالميتين لأنهما كانتا أول من امتدتا عبر قارات مختلفة، وغطت مناطق شاسعة حول
العالم. وفي القرنين السادس عشر والسابع عشر أنشأت إنجلترا وفرنسا والجمهورية
الهولندية أيضًا إمبراطورياتهم في ما وراء البحار في منافسة مباشرة مع بعضهم البعض.
شهدت نهاية القرن الثامن عشر ومنتصف
القرن التاسع عشر الحقبة الأولى من إنهاء الاحتلال، عندما حصلت معظم المستعمرات
الأوروبية في الأميركتين، ولا سيما مستعمرات إسبانيا وفرنسا الجديدة والمستعمرات
الثلاثة عشر، على استقلالها من عاصمتها. وجهت مملكة بريطانيا العظمى (التي توحدت
بين اسكتلندا وإنجلترا) وفرنسا والبرتغال والهولنديين انتباههم إلى العالم القديم،
وخاصة جنوب إفريقيا والهند وجنوب شرق آسيا، حيث تم بالفعل إنشاء مستوطنات ساحلية.
أدت الثورة الصناعية الثانية في القرن التاسع عشر إلى ما أُصطلح على تسميته بعصر
الإمبريالية الجديدة، حيث تسارعت وتيرة الاستعمار بسرعة، وكان ذروتها التدافع على
أفريقيا، حيث شاركت بلجيكا وألمانيا وإيطاليا أيضًا.
وفي غضون القرن العشرون، وُزعت
مستعمرات الدول الخاسرة في الحرب العالمية الأولى بين الدول المنتصرة باعتبارها
ولايات، ولكن لم تبدأ المرحلة الثانية من إنهاء الاستعمار بشكل جدي إلا بنهاية
الحرب العالمية الثانية. وفي سنة 1999 تنازلت البرتغال عن آخر المستعمرات
الأوروبية في آسيا، وهي ماكاو إلى الصين، وانتهت بذلك حقبة استمرت ستمائة عام.
ووقعت شعوب العالم ضحايا لسلسة من
الجرائم والمجازر والنهب والسرقات والتدمير الذي تم بأيدي القوات الغازية سواء في
العصور القديمة أو في العصر الحديث. وهي حوادث مأساوية لا يمكن إنكارها. وفي العصر
الحديث رافق الاحتلال الأوروبي وقوع جرائم
فظيعة، أنهت حياة عشرات الملايين من البشر، ونذكر منها الكونغو، وكيف قتلت بلجيكا
أكثر من مليون شخص، والجرائم التي ارتكبتها فرنسا في شمال افريقيا، خاصة في المغرب
والجزائر، حيث كانت بعض البطاقات السياحية في فرنسا تحمل رؤوسا مقطوعة لمقاومين
مغاربة وجزائريين تباع في الأكشاك. ويمكن رؤية ما فعلت دول أوروبية مشتركة وهي
ألمانيا وفرنسا وإسبانيا من استعمال الغازات السامة ضد منطقة الريف شمال المغرب،
حيث ما زالت آثار هذه الجريمة البشعة حاضرة من خلال تسجيلها أعلى نسب الإصابة
بالسرطان في المغرب وشمال افريقيا برمته. واستعمال الغازات
السامة في شمال المغرب خلال العشرينيات من القرن الماضي للقضاء على ثورة محمد بن
عبد الكريم الخطابي.
من أبشع قصص الاحتلال في التاريخ الحديث هو قيام فرنسا باحتلال
الجزائر في الفترة من 1830 الى 1962 أي 132 سنة. وخلال حرب التحرير التي استمرت 7
سنوات ونصف كان عدد الضحايا مليون ونصف شهيد. وطوال مدة الاحتلال فعدد الضحايا قدر بأكثر من 7
مليون شهيد. عند انتهاء الحرب العالمية سنة 1945 فقط في بوم واحد قتلت فرنسا
45 ألف شهيد. وهو ما يعرف بمجازر سطيف قالمة وخراطة.
وفي عام 2005، اعترف السفير الفرنسي بالجزائر رسمياً بأن هذه
المجازر كانت "مأساة لا تغتفر". وبعد عشر سنوات، في عام 2015، شارك وزير الدولة الفرنسي
للمحاربين القدامى جان مارك توديشيني في إحياء ذكرى المجازر في الجزائر، ووضع
إكليلا من الزهور عند النصب التذكاري لبوزيد سعال أول قتيل في الثامن من مايو
1945. كما اعتبر الرئيس الفرنسي عام 2017 في خطاب ألقاه بجامعة واغادوغو
عاصمة بوركينا فاسو، أن "جرائم الاستعمار الأوروبي في أفريقيا لا جدال
فيها".
المراجع:
1)
Gilmartin، Mary (2009). "9:
Colonialism/imperialism". في Gallaher، Carolyn؛ Dahlman، Carl T.؛ Gilmartin، Mary؛ Mountz، Alison؛ Shirlow، Peter (المحررون). Key Concepts in
Political Geography. Key Concepts in Human Geography. London: SAGE. ص.
115. ISBN:9781446243541.
مؤرشف من الأصل في 2019-12-16. اطلع عليه بتاريخ 2017-08-09. حدد المؤرخون ثلاث
موجات واسعة من التوسع الاستعماري والإمبريالية الأوروبية المرتبطة بمناطق محددة.
استهدفت الأولى الأميركتين من شمال وجنوب وكذلك منطقة البحر الكاريبي. وركزت
الثانية على آسيا، بينما امتدت الموجة الثالثة من السيطرة الأوروبية إلى إفريقيا.
التعليقات على الموضوع