ملخص كتاب اختلاق إسرائيل القديمة

ملخص كتاب اختلاق إسرائيل القديمة

 المؤلف: المؤرخ الأسكتلندي كيث وايتلام

الترجمة: دكتورة سحر الهنيدي

مراجعة: دكتور فؤاد زكريا

التصنيف سياسة / تاريخ

عدد الصفحات: ٤١٥

تاريخ النشر بالعربية 1999

تاريخ النشر بالإنجليزية 1996

The Invention of Ancient Israel: The Silencing of Palestinian History

by Keith W. Whitelam (Author)

 

تعد مسألة أصول إسرائيل القديمة وتاريخها المبكر من أكثر القضايا إثارة للجدل في الدراسات الأكاديمية واللاهوتية. وفي خضم هذا الجدل، يبرز كتاب "اختلاق إسرائيل القديمة: الصمت الأمريكي والتاريخ التوراتي الفلسطيني" للمؤرخ الأسكتلندي كيث وايتلام، كأحد أهم الأعمال التي قدمت رؤية نقدية جذرية للتاريخ التوراتي التقليدي.

 

مقدمة عن الكتاب

صدر كتاب وايتلام لأول مرة عام 1996، ويُعد إضافة نوعية للمكتبة العربية بفضل ترجمة الدكتورة سحر الهنيدي، التي نقلته إلى القارئ العربي ليطلع على هذا العمل الهام. يهدف وايتلام في كتابه إلى تفكيك السردية التاريخية السائدة التي تتخذ من التوراة مرجعًا وحيدًا وأساسًا لتأريخ المنطقة، خاصة في الفترات التي سبقت ظهور إسرائيل الموحدة. يرى وايتلام أن هذه السردية، التي تبنتها الأوساط الأكاديمية الغربية وخاصة الأمريكية، قد تجاهلت عمداً تاريخ شعوب فلسطين القديمة.

يُقدم وايتلام حجة قوية، مفادها أن الاستخدام الانتقائي للنصوص التوراتية كدليل تاريخي، أدى إلى "اختلاق" تاريخ لإسرائيل القديمة، في حين تم تجاهل وحذف تاريخ الفئات غير الإسرائيلية في فلسطين القديمة. هذه الفئات، وفقًا له، لم تكن مجرد خلفية أو هامش في القصة التوراتية، بل كانت لها أدوار تاريخية مهمة وحضارات قائمة. وايتلام لا ينكر وجود مجموعات إسرائيلية في المنطقة، ولكنه ينتقد بشكل حاد المنهجية التي جعلت هذه المجموعات محور التاريخ الوحيد، على حساب تاريخ الكنعانيين واليبوسيين والعموريين وغيرهم.

 

أقسام الكتاب وأهم النقاط

ينقسم الكتاب إلى عدة فصول، كل فصل يفكك جانبًا من جوانب "الاختلاق" التاريخي:

1. الاختلاق المعاصر لإسرائيل القديمة: في هذا القسم، يطرح وايتلام فكرته الأساسية حول كيفية تشكيل التاريخ التوراتي في الأوساط الأكاديمية الغربية. يرى أن هذا التاريخ لم يكن اكتشافًا، بل "اختلاقًا" تم بناؤه لخدمة أجندات معينة، سواء كانت دينية أو سياسية، خاصة في ظل الصعود الصهيوني.
2. أساطير الأصل: يحلل وايتلام الأساطير التوراتية، مثل قصص الآباء والخروج، لا من منظورها اللاهوتي، بل من منظورها التاريخي والمنهجي. يُظهر أن هذه القصص لا يمكن قبولها كحقائق تاريخية بشكل مطلق، وأن هناك فجوة كبيرة بينها وبين الأدلة الأثرية.
3. تاريخ فلسطين القديمة في الأبحاث الحديثة: يُظهر وايتلام أن الأبحاث الحديثة، خاصة في علم الآثار، لا تدعم بالضرورة السرد التوراتي التقليدي. يقارن بين ما يقوله النص التوراتي وما تكشفه الحفريات، ويكشف عن تناقضات واضحة، مثل عدم وجود أدلة أثرية على غزو واسع للكنعانيين من قبل بني إسرائيل.
4. منهجيات الاختلاق: يقدم وايتلام نقدًا للمنهجيات التي يستخدمها المؤرخون الغربيون، مثل "قراءة" الاكتشافات الأثرية من خلال عدسة التوراة، بدلاً من قراءة التوراة من خلال الاكتشافات الأثرية. هذه المنهجية، وفقًا له، تسمح للمؤرخين بالانحياز وتحريف الأدلة لتتوافق مع السردية المسبقة.
5. الصمت الأمريكي: هذا القسم من أهم أقسام الكتاب. يلقي وايتلام الضوء على دور المؤسسات الأكاديمية الأمريكية، التي هيمنت على حقل الدراسات التوراتية في القرن العشرين، في تجاهل التاريخ الفلسطيني القديم. يصف هذا التجاهل بـ"الصمت الأمريكي"، الذي ساهم بشكل كبير في تشويه التاريخ وخلق فراغ تم ملؤه بسردية إسرائيلية حصرية.

المحاور الرئيسية
 اختراع إسرائيل القديمة

يشرح وايتلام أن "إسرائيل القديمة" ليست سوى بناء أكاديمي حديث، تمت صياغته وفق نموذج الدولة القومية الأوروبية. تم تصويرها ككيان موحد ومركزي، بينما كان الواقع التاريخي أوسع وأكثر تنوعًا.

مثال: تقديم مملكة داود وسليمان كمملكة قوية ومركزية رغم أن الأدلة الأثرية لا تدعم هذا التصور.

 

طمس التاريخ الفلسطيني

يؤكد أن التركيز الحصري على إسرائيل القديمة جعل تاريخ فلسطين يُنظر إليه كفرع ثانوي أو غير موجود، حيث تم إنكار "المجال" التاريخي الخاص به.

مثال: تجاهل التاريخ الكنعاني، رغم أن الكنعانيين كانوا المكوّن السكاني والثقافي الأساسي لفلسطين القديمة.

 

الأبعاد اللاهوتية والسياسية

يناقش بأن الافتراضات اللاهوتية (مثل قدسية العهد القديم) والسياسية (مثل دعم المشروع الصهيوني) شكلت إطار الدراسات الكتابية. هذا أدى إلى خلط بين السرد الديني والدعوات القومية الحديثة.

مثال: الربط المباشر بين إسرائيل التوراتية ودولة إسرائيل الحديثة.

 

الدعوة لتاريخ فلسطيني مستقل

يدعو وايتلام إلى إعادة كتابة تاريخ فلسطين بمعزل عن الرواية التوراتية، عبر التركيز على الثقافة المادية والأدلة الأثرية والدراسة الاجتماعية للسكان الأصليين.

مثال: دراسة المدن الكنعانية في العصر البرونزي والحديدي بعيدًا عن محورية النصوص الدينية.

 

العصر البرونزي والحديدي كنموذج للنقاش

ينتقد الرواية التقليدية التي تعتبر نهاية العصر البرونزي وبداية العصر الحديدي لحظة "ميلاد إسرائيل"، ويرى أنها فترات أوسع وأكثر تعقيدًا.

مثال: غياب أي دليل أثري حاسم على "غزو كنعان" كما يصفه سفر يشوع.

 

ارتباط الدراسات الكتابية بالخطاب الاستشراقي

يرى وايتلام أن الدراسات الغربية أعادت إنتاج خطاب "الشرق" ككيان تابع وغامض، في مقابل "الغرب" كعقلاني ومهيمن. هذا الخطاب ساهم في شرعنة تغييب الفلسطينيين تاريخيًا.

مثال: تعامل الدراسات الغربية مع الفلسطينيين كسكان "طارئين" مقابل إسرائيل القديمة كصاحبة "الجذور الشرعية".

تحليل ونقد للكتاب

يُقدم وايتلام في كتابه منهجًا ثوريًا يستحق التقدير، فهو لا يكتفي بالنقد، بل يقدم إطارًا بديلًا للتأريخ. يُطالب وايتلام المؤرخين بالبحث عن تاريخ فلسطين "الآخر" من خلال إعادة قراءة الأدلة الأثرية واللغوية دون الاعتماد المسبق على النص التوراتي. يرى أن فلسطين القديمة كانت "مجتمعًا فسيفسائيًا" متعدد الثقافات والشعوب، وليس مجرد مسرح للأحداث الإسرائيلية.

ومع ذلك، لم يسلم الكتاب من النقد. يرى بعض النقاد، خاصة من الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية، أن وايتلام يبالغ في نقد المصادر التوراتية. يتهمونه بتطبيق معايير صارمة على النصوص التوراتية بينما لا يطبقها بالقدر نفسه على مصادر أخرى. كما يرى البعض أن الكتاب يتخذ موقفًا سياسيًا ضد إسرائيل، مما يجعله أقل موضوعية. ولكن، في المقابل، يدافع آخرون عن وايتلام، مؤكدين أن نقده منهجي وأكاديمي، وأن إثارة الجدل حوله ما هي إلا نتيجة لجرأته في المساس بمسلمات كانت تعتبر حقائق تاريخية.

 

آراء حول الكتاب وأثره

أحدث كتاب "اختلاق إسرائيل القديمة" تأثيرًا كبيرًا في حقل الدراسات التوراتية والتاريخ القديم. أثار جدلاً واسعًا ودفع العديد من الباحثين إلى إعادة النظر في منهجياتهم. يُعد الكتاب مرجعًا أساسيًا لكل من يرغب في فهم الجدل الدائر حول التاريخ التوراتي ودوره في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

لقد فتح الكتاب الباب أمام دراسات جديدة تركز على تاريخ الشعوب غير الإسرائيلية في فلسطين القديمة، وأسهم في إرساء "علم آثار فلسطيني" مستقل عن السردية التوراتية. إنه عمل يذكرنا بأن التاريخ ليس مجرد سرد للأحداث، بل هو عملية بناء وتفسير، وأن المؤرخين يتحملون مسؤولية أخلاقية في كيفية صياغة هذه السرديات.

 

اقتباسات من الكتاب

1. "إن تاريخ إسرائيل القديمة الذي جرى اختلاقه، هو في الأساس، تاريخ الشعب اليهودي. أما الشعوب الأخرى في فلسطين القديمة، فقد تم صمتهم."
2. "إن فكرة الغزو الإسرائيلي لفلسطين لم تعد مقبولة من قبل غالبية علماء الآثار الذين يدرسون المنطقة."
3. "القرآن يُعد شهادة على 'صمت' العرب في دراسة تاريخ فلسطين القديم. فالقرآن لا يذكر الكنعانيين ولا الفلسطينيين، مما يترك هذه الشعوب خارج السردية."
4. "يجب أن نُعيد إحياء تاريخ فلسطين القديم، لا من خلال منظور إسرائيلي أو إنجيلي، بل من خلال منظور متعدد الثقافات وموضوعي."
5. "الصمت حول تاريخ فلسطين القديم ليس صمتًا بريئًا. إنه صمت متواطئ مع اختلاق تاريخ حصري."

 

نبذة عن المؤلف

كيث وايتلام (Keith W. Whitelam) هو مؤرخ إسكتلندي متخصص في تاريخ فلسطين القديم. شغل منصب أستاذ الدراسات الدينية في جامعة ستيرلنغ في اسكتلندا. يُعد وايتلام من أبرز المؤرخين الذين يتبنون موقفًا نقديًا تجاه السردية التوراتية. إلى جانب كتابه "اختلاق إسرائيل القديمة"، قدم وايتلام العديد من الأبحاث والدراسات التي تركز على التاريخ القديم للمنطقة، وتأثير الاستعمار الغربي على الدراسات الأكاديمية الشرق أوسطية. تُعد أعماله إسهامًا مهمًا فيما يُعرف بـ"المدرسة النقدية" في الدراسات التوراتية، التي تدعو إلى التمييز بين النص الديني والواقع التاريخي، وتؤكد على ضرورة البحث عن تواريخ الشعوب المهمشة.